Powered By Blogger

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

قضية للنقاش: هل تعتمد المحاكم صور الدماغ؟

حسام مدانات، العرب اليوم، 23 تشرين الأول/ أكتوبر، 2012 (Science et Vie, Aout, 2012) بتاريخ 7 تموز/ يوليو 2011، صدر في فرنسا قانون الأخلاقيات الحيوية. وهو ينص، نظريا على الأقل، على اعتماد القضاء لصور الدماغ وللمؤشرات التي قد تعبر عنها، من قبيل: هل يعاني الشخص من اضطرابات نفسية؟ هل يكذب؟ هل لديه ميل نحو العنف؟ أثار صدور هذا القانون ردود فعل متنوعة وقلقا كبيرا لدى أشخاص من مختلف الاختصاصات. يجدر بنا أولا أن نميز بين نوعين مختلفين من صور الدماغ: الصور التركيبية، والصور الوظيفية. تقدم الصور التركيبية تفاصيل تشريحية للدماغ، وهي تفاصيل لا يجادل أحد في مصداقيتها، مثل وجود جرح أو نزف دماغي ناتج عن ضربة أو حادث. لكن الصور الوظيفية والاستنتاجات المبنيّة عليها لا تملك بعد كمّا أو تاريخا كافيا من النظريات والتجارب والأبحاث الداعمة. وهي نظريات ما زالت في طور البناء والتجريب للتحقق من صدقها. وما زال لكل مختبر وسائله وأساليبه الخاصة في الفحص والقياس. وما زال تفسير الصور يعتمد على خبرات الباحثين والمختصين. ظهرت تقنية تحليل الصور الدماغية الوظيفية في عقد التسعينيات، فهي ليست قديمة بما يكفي لإرساء أسس راسخة للتحليل والتفسير. وكان مركز التحليل الاستراتيجي قد قدّر في عام 2009 أن الوقت ما زال مبكرا لاعتماد علوم الأعصاب في المحاكم. لكن هذه التوصية لم تلق أذنا صاغية لدى المشرّعين. نجد نفسنا الآن إذن أمام وضع يسمح لخبير قضائي فرنسي باعتماد صور دماغية حالية للحكم على سلوك الشخص أو ميوله قبل فترة زمنية، وفي وضع مختلف عن وضعه عند التقاط هذه الصور. يثار هنا تساؤل مهم: هل يمكن لنتائج التجارب المخبرية التي أجريت على متطوعين، أن تنطبق على أشخاص آخرين في ظروف مختلفة تماما؟ هل علوم الأعصاب قادرة على التوصل إلى حقائق موضوعية صالحة للجميع، وفي كل مكان وزمان؟ هل يمكننا الاطمئنان إلى صحة الاستنتاج بأن مناطق معينة في الدماغ مسؤولة عن السلوك الأخلاقي؟ أو أن جزيئا كيميائيا معينا يكون موجودا في دماغ الشخص المكتئب؟ إن الانتقال من الظواهر العامة إلى الحكم على شخص معين يتضمن مخاطرة كبيرة وقد تبنى على ذلك أحكام خاطئة وجائرة. إن الدماغ البشري أعقد من أن يؤخذ بهذه البساطة. لكن يبدو أن القانون قد قال كلمته في ذلك، وقرر أن يحاكم أدمغتنا الصامتة بطبيعتها. ولن نضمن أن تكون هذه الشهادة الصامتة لدماغنا في صالحنا دائما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق