Powered By Blogger

الخميس، 19 أبريل 2012

الايجاز أساس العلم والحضارة

المحرر العلمي/ العرب اليوم


تخيل أن علماء الرياضيات والفيزياء والكيمياء... الخ تجنبوا استخدام الرموز والأرقام، والتزموا بكتابة الكلمات كاملة. فالكلمة الكاملة أوضح من الرمز اليس كذلك؟ (لعل هذا هو رأي كتابنا الأفاضل الذين يتجنبون الرموز).


لا أريد أن اضرب أمثلة، فما أطرحه هنا واضح جلي. كما أن كلمات اللغة نفسها، عبارة عن مصطلحات واختصارات. عندما تسمي أي شيء أو جسم باسمه، فإنك تستخدم وسيلة للترميز. فأنت تقول مثلا الجبهة أو الجبين وليس " الجزء من وجهك الذي يقع فوق عضوي الإبصار.

قبل أيام، اطّلعت على العدد الثالث من مجلة "العربي العلمي" التي تصدر عن أعرق المجلات العربية "العربي" الكويتية. وهي بلا شك تسد ثغرة في الصحافة العربية العلمية الجادة والمفيدة. وكنا قد رحبنا بصدور العدد الأول منها في صفحتنا هذه ( العدد 13 بتاريخ 10/2).

لكنني لست هنا بصدد المدح بقدر ما أريد أن أشير الى مقال في العدد الثالث من هذه المجلة ساءني وجعلني أنتهز الفرصة لأثير موضوع الإيجاز والمصطلح في لغتنا العربية الحديثة، وفي لغتنا العلمية، وفي لغتنا الصحفية.

عنوان المقال المقصود "ما هو الايدز والعدوى بفيروس العوز المناعي البشري؟" ضمن زاوية فضاء الأسئلة.

لا شك أن المقال مترجم عن الانجليزية. ويرمز للفيروس المسبب للإيدز بالانجليزية HIV، وهي ثلاثة حروف بسيطة. لكن مترجمنا العزيز فضّل أن يكتب الاسم بالعربية في أربع كلمات: فيروس العوز المناعي البشري. حتى الآن ربما لا تبدو المشكلة خطيرة، سوى أن اسم هذا الفيروس يتكرر في المقال 62 مرة، مضروبة بأربع كلمات كل مرة، أي ما مجموعه قرابة 250 كلمة. وهي تمثل خمس مجموع كلمات المقال. بينما في الأصل الانجليزي اختزل الاسم إلى ثلاثة حروف في كل مرة.

الأحرى أن يعرّب الرمز الانجليزي بكلمة هيف، على غرار ما فعلنا بتعريب AIDS بكلمة ايدز. أو حتى أن يكتب اسم الفيروس بالحروف الإنجليزية في كل مرة إذا اعتقد الكاتب أن العربية لا تقبل الرموز! هل كان قصد المترجم من ذلك أن يزيد قيمة مكافأة المقال، إذا كانت المكافأة تعتمد على عدد الكلمات؟ وإذا كان الكاتب أو المترجم قد أساء، أما كان يجدر بالمراجع والمدقق والمحرر أن يصحح الوضع؟ لا أعلم. لكني أعلم أن لغتنا العلمية والصحافية تعاني من سرطان قاتل. السرطان ورم ينتشر، ويدمر ويقتل، وهذا الورم اللغوي يتجلى في اللغو وفي كثرة الكلمات. إنه يعطل الفهم وينفّر القارىء.

لا شك أن الصغير يلجأ لارتداء ثوب كبير ليبدو كبيرا. والفارغ يميل للإكثار من الكلام.

وهكذا تجد أن ليبيا كانت تسمي نفسها الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى. بينما بريطانيا العظمى هي UK والولايات المتحدة الأمريكية هي USA، بل حتى US. والأمم المتحدة UN. إنها دول عظمى ومؤسسات كبرى، لكن العظمة والكبر ليست في إطالة الإسم.

الحقيقة أن مشكلة اللغو والاسهاب في الكلام بلا مبرر هي ظاهرة عامة في معظم ما نكتب، خاصة في ما تنشره الصحف من أخبار ومقالات. ولا شك أن الصحيفة التي تصدر بمئة صفحة، يمكنها أن تقدم مادة أكثر فائدة وأسهل قراءة في عشرين صفحة فقط. عدا ما يعنيه هذا من وفر وحدّ من التبذير والهدر في بلد يعاني من المديونية. فهل من مجيب؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق