Powered By Blogger

الجمعة، 13 أبريل 2012

المادة المظلمة

أ‌.د. محمد باسل الطائي/ العرب اليوم
يعود اقتراح وجود مادة مظلمة غير مرئيّة تتخلل المجرات إلى الثلاثينيّات من القرن الماضي، حين بيّنت الأرصاد أن سرعة دوران المجرّات اللولبية حول نفسها غير قابلة للتفسير وفق قوانين دوران القرص الصلب؛ كما إنها ليست قابلة للتفسير وفق قوانين الجاذبيّة المعروفة (الدوران الكوكبي). ذلك لأن سرعة دوران قلب المجرة تتناسب طردياً مع بعدها عن المركز وهذا موافق لدوران القرص. إلا أن سرعة دوران الأطراف تكاد تكون ثابتة وغير معتمدة على البعد، وهذا أمر غريب. وكذلك كان الأمر بما يخص حركة المجرّات داخل العناقيد المجرّية، حيث وجد زفيكي Zwicky عام 1934 أن سرعة المجرات تحتّم وجود كتلة غير مرئية داخل العناقيد. لذلك اقترح وجود مادة مظلمة تتخلل العناقيد المجرية. وقد تعزز اقتراح وجود مادة مظلمة في الكون بعد الكشف عن الخلفية الكونية المايكروية (موجات الميكروويف)، التي بيّن تحليلها أن معدل كثافة المادة في الكون يساوي بالتقريب الكثافة الحرجة التي تجعله يستمر في التوسع إلى ما لانهاية له؛ على حين أن الأرصاد الفلكية تشير إلى أن كمية المادة المرئية لا تغطي أكثر من 4% من الكثافة الحرجة. وهذا يعني أن هنالك قدراً كبيراً من المادة المظلمة في الكون.
طرح الفلكيون والكونياتيون (علماء الكونيات أوالكوزمُلوجيون) مقترحات عديدة لتفسير ماهية المادة المظلمة؛ كان أولها القول بوجود كمية كبيرة من النجوم المجهضة التي تسمى الأقزام البنية Brown Dwarfs ونجوم أخرى قضت حيواتها وتحولت إلى أقزام بيضاء وثقوب سود. لكن الأرصاد الفلكية لم تكشف إلا عن قليل منها. وكان الاقتراح الثاني أن المادة المظلمة هي جسيمات أولية ثقيلة ذوات قدرة تفاعلية ضعيفة جداً WIMPS، إلا أن هذه الجسيمات لم تكتشف بعد على الرغم من أن البعض يأمل في العثور عليها في تجارب المصادم الهادروني الكبير الجارية حالياً في سيرن. أما التفسير الآخر فهو الذي اقتُرح في معهد وايزمن والذي ينفي وجود مادة مظلمة في المجرات والعناقيد المجرية، بل يقترح أن قانون نيوتن الثاني الذي نعرفه يحتاج إلى تحوير عندما تكون الحركة بتسارع صغير جداً. وعلى الرغم من تفسيره لدوران المجرات، فإن هذا المقترح لا يفسر حصول ظاهرة التعدس الجاذبيGravitational Lensing التي أثبتتها الأرصاد. وبموجب هذه الظاهرة تنحرف مسارات الضوء المار قرب كتلة كبيرة بزاوية تتناسب طرديا مع الكتلة. وقد تم رصد هذه الانحرافات لمجرات كثيرة وظهر أن كتلها أكبر كثيراً من الكتل المرئية، مما يوحي بوجود مادة مظلمة في جنباتها.
هنالك حاجة لافتراض وجود المادة المظلمة من أجل تفسير كيفية نشوء المجرات وتطوّرها دون شك، ويقدر الكونيّاتيون أنها تصل إلى حوالي 22% من الكتلة الإجماليّة للكون، إلا أن عدم تشخيص ماهيّتها، وجهلنا بخواصّها على وجه الدقة، يجعلها من أكبر المعضلات القائمة في علم الكونيات (الكوزمُلوجيا) الحديثة.

هناك تعليق واحد: