Powered By Blogger

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

السفن أضخم وأضخم


م. حسام جميل، العرب اليوم، 18/12/2012 يسود الاعتقاد لدى المختصين بالسفن أنها كلما كبرت زادت أمانا وجدوى. لكن إلى أي حد يصح هذا الاعتقاد؟ في 13 كانون ثان 2012 غرقت سفينة الرحلات الإيطالية كوستا كنكورديا وعلى متنها 4229 شخصا بمحاذاة سواحل جزيرة غِليو Giglio غرب ايطاليا. أنقذوا جميعهم باستثناء 32 شخصا. وكان يمكن للخسائر البشرية أن تكون أكبر بكثير لو أن السفينة انقلبت رأسا على عقب. لكن لحسن الحظ كانت المياه ضحلة ونجا معظم ركابها من هذا المصير. يذكّرنا هذا الحادث فورا بالسفينة تيتانك، التي غرقت قبل مئة سنة (15 نيسان 1912)، في أوجه كثيرة، أولها ضخامة كل منهما. ثم تجاهُل قبطان كل منهما للخطر المحدق. فقبطان تيتانك اندفع بسفينته داخل منطقة تتناثر فيها الجيال الجليدية، في حين أن قبطان كنكورديا أراد أن يتباهى، فاقترب أكثر مما يجب من سواحل الجزيرة. وكان وراء التصرفين ثقة مفرطة في قدرة ومناعة سفينتيهما الجبارتين. وللتذكير، فإن تيتانك كانت تقلّ 2223 شخصا، مات منهم 1514. لكن السرعة التي غرقت بها كنكورديا كانت مذهلة، وأدهشت خبراء السفن. لم يستغرق الأمر أكثر من نصف ساعة. وأخذ البعض يتساءل عن صواب التوجه العام نحو بناء سفن أكبر وأكبر. تضاعفت حمولة السفن خلال 10 سنوات تزايد ميل الترسانات، أي مصانع السفن، إلى إنتاج سفن أكبر وأكبر، فالسفينة كنكورديا، وطولها 290 مترا، ليست الأضخم. ففي عام 2009 دخلت الخدمة "واحة البحار" Oasis of the Seas التي يبلغ طولها 360 مترا، وتحمل 6296 راكبا إضافة إلى طاقم مكون من 2000 شخص. وفي عام 2010 بدأت السفينة "فتنة البحار" Allure of the Seas رحلاتها، وهي أكبر قليلا من "واحة البحار"، لتكون أضخم سفينة حتى الآن. ويفضل المختصون تسمية مثل هذه السفن: فنادق عائمة، بفضل ما تحويه من مراكز تجارية وكازينوهات وبرك سباحة ليتمتع بها أثرياء العالم. وقد تشهد السنوات القليلة القادمة ظهور ما يمكن أن يسمى بالجزر العائمة! ولا تقتصر هذه الفخامة على سفن الرحلات. فالناقلة أوروبا، التي بدأت رحلاتها عام 2009، تحمل 3000 راكبا و 963 سيارة. وتضاعفت حمولة بواخر شحن البضائع خلال العقد الأخير. فتجد بعضها بطول 340م، أي بطول حاملة طائرات عملاقة، وبارتفاع يضاهي برج ايفل. وتضاعفت سعة ناقلات الغاز السائل لتصل إلى 265000م³، وناقلات السيارات إلى 14000 سيارة، وقد أعلن عن انتاج سفينة حمولتها 18000 سيارة عام 2013. ما سر هذا التوجه نحو الضخامة؟ على الرغم من أن موانىء كثيرة أصبحت تواجه صعوبة في استقبال هذه السفن العملاقة، فإن لهذا التوجه أسبابا اقتصادية منطقية. فعندما تضاعف سعة السفينة، سواء كانت لنقل الركاب أو البضائع أو السيارات، فإن الزيادة في النفقات لا تزيد إلا بنسبة بسيطة، ولن تحتاج لمضاعفة عدد الطاقم ولا لمضاعفة استهلاك الوقود، ولا حتى كلفة بناء السفينة. ولا يرى المعهد الفرنسي للبحر IFM أي سبب لوضع حدود قصوى لحجوم السفن. وهذا هو رأي المنظمة البحرية الدوليةIMO أيضا. السفن الأكبر إذن أفضل وأجمل، بشرط ألا تغرق! لكن لا يوجد أي سبب يجعل سفينة ضخمة تغرق في عرض البحر، ما لم يحصل خطأ بشري يرتكبه القبطان، أو يحصل حريق ضخم. وإذا غرقت السفينة، فإن المشكلة الرئيسية هي كيفية إنقاذ كافة الركاب بأسرع وقت. وقد وضع غرق كنكورديا قبل بضعة اشهر تقنيات الإنقاذ على المحك. فقد عانى طاقم السفينة من صعوبة في ايصال التعليمات للركاب الفزعين، وبعدة لغات. ولعل العبء الأكبر في هذه الحالة يقع على عاتق شركات التأمين، فهي ملزمة بتعويض قيمة السفينة، وممتلكات الركاب، والوفيات، وتكاليف تنظيف موقع الغرق إذا كان قرب أحد الشواطىء. ولن نستغرب إذا بلغت قيمة التعويضات مليارات الدولارات. ويبقى مجال التحسين الذي يسعى له المختصون حاليا، هو ابتكار وسائل انقاذ ونجاة مثالية، بحيث لا يصاب الركاب بالهلع، وبحيث يعرف مسؤول السفينة موقع كل شخص من الطاقم في لحظة الحادث، بواسطة أدوات تواصل الكترونية؛ إذ أن الاضطراب والفوضى والهلع التي رافقت غرق كنكورديا لم تختلف كثيرا عما حصل عند غرق تيتانك قبل مئة عام. وهذا أمر مخجل. Science et Vie 4/2012 P 120-122

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق