Powered By Blogger

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

شجرة العائلة للمجرّات ! هل تمزح؟

حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 4 / 12 / 2012 العلم جدّي، لا يعرف المزاح عادة. لكنه أحيانا يستعير تعابير من مجالات معرفية أخرى. وهذا ما فعله الفرنسي دِدييه فري - بُرنيه، المختص في الفيزياء الفلكية. وقد لجأ إلى استخدام هذا المصطلح في محاولته لتصنيف مليارات المجرات التي يزخر بها الكون. اعتاد الفلكيون على تصنيف المجرات وفقا لشكلها، لكن بُرنيه اعتمد اسلوبا مختلفا: اصل المجرة وكيفية تطورها ومستقبلها أو مصيرها. تصنيف هَبِل في عام 1936 قارن الفلكي الأمريكي أدوين هبل 600 صورة للمجرات، وحاول تنظيم ما أطلق عليه اسم : "مملكة المجرات"، ميّز هبل ثلاث مجموعات مختلفة: المجرات البيضوية أو الأهليليجية، والمجرات اللولبية، التي تظهر لها أذرع تمتد منحنية حول مركزها، مثل اللولب؛ وأخيرا كافة المجرات الأخرى ذات الأشكال المتنوعة، التي أطلق عليها اسم المجرات غير المنتظمة أو العشوائية. وسرعان ما اضيف إلى هذه المجموعات الثلاث مجموعة رابعة هي المجرات العدسية، التي يظهر لها لب يحيط بقلبها، وهي ذات لمعان شديد وقرص متماسك. لكن هذا التصنيف يعاني من عيوب، أهمها أنه يضع مجرات متباينة في اصلها ومصيرها، ضمن مجموعة واحدة، لمجرد تشابهها في الشكل. مبادرة منفردة في عام 2001، كان بُرنيه يعمل في معهد فيزياء الفلك في غرينوبل/ فرنسا. وتركزت أبحاثه منذ 1986 على دراسة الأنوية الفعالة للمجرات. ثم قرر فجأة أن يهجر هذه الأبحاث، وأن يركز جهوده، وحيدا، على مشروع عملاق: السعي لتصنيف مليارات المجرات تصنيفا نظاميا شموليا. هجر برنيه التلسكوبات والرصد، ودفن نفسه داخل آلاف الملفات المغبرة التي تحوي جداول بيانات رصدية قام بها زملاؤه. وكان حلمه أن يتوصل إلى تصنيف منطقي للمجرات. تواصل حماسه لمدة سنتين. ثم تلاه شعور بالإحباط دام ثلاث سنوات؛ ليتبع ذلك تقدم بطيء خلال السنوات الأربع الماضية. وقبل بضعة اشهر فقط أثمرت جهوده أخيرا. فقد رآى أمام ناظريه صورة تتبلور وتبرز لتاريخ المجرات. تاريخ يظهر على شكل شجرة. شجرة مصير (destiny) المجرات. يوريكا ... وجدتها في أيار من عام 2001 قرأ بُرنيه مقالة صحفية تصف نظام التصنيف الحديث للكائنات الحية، الذي يعتمد على نظرية دارون في التطور، ويتيح لعلماء الأحياء إمكانية رسم شجرات تبين تفرعاتها كيف تتطور أنواع مختلفة من سلف مشترك. وعندئذ صاح بُرنيه: يوريكا، وجدتها، على غرار ارخميدس عندما اكتشف قانونه المشهور في الأجسام المغمورة والطافية. وقال بُرنيه لنفسه حينئذ: هذا ما يجب عمله في تصنيف المجرات؛ إذ من غير المنطقي أن نبقى محصورين في تصنيف صاغه هبل قبل ثمانين سنة، وبناء على بيانات قليلة محدودة، رغم الزخم الهائل من البيانات التي تجمعت لدينا حاليا عن الفلك والمجرات. على أية حال، وبانتظار أن نقرأ بحث بُرنيه مطبوعا في المستقبل القريب، يمكننا القول أن تصنيف هبل التقليدي للمجرات لم يعد مقبولا أو قائما اليوم. ونضيف ملاحظة مهمة تتكرر دوما في البحث العلمي: أن مجالات العلم المختلفة ليست أكوانا منفصلة مستقلة بعضها عن البعض، بل أن الأفكار التي تولد وتزدهر في أحد المجالات قد تفيد في مجال آخر، مهما كان المجالان متباعدين، مثل علم الأحياء والفلك في حالتنا هذه. Science et Vie

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق