Powered By Blogger

الاثنين، 17 ديسمبر 2012

الوقواق: ملك الخداع و"السلبَطة"


يخدع الطيور الأخرى لتحضن بيضه وترعى فراخه. م. سائد مدانات، العرب اليوم، 18/12/2012 saed_madanat@hotmail.com غريزة الأمومة، والأبوة أيضا، تكاد تكون ظاهرة متأصلة في كافة الحيوانات. وإذا فقدت أو ضعفت في نوع حيواني معين فإنه سينقرض بلا شك. إنها غريزة ضرورية لبقاء النوع، كما أن غريزة تناول الطعام لازمة لبقاء الفرد. لكن يبدو أن بعض الطيور مثل البط الأسود في أمريكا الجنوبية، والهويد الإفريقي قد تخلّصت من هذه الغريزة، وعرفت كيف تجعل غيرها يحضن بيضها ويرعى صغارها. ويبقى بطل هذه الأساليب المخادعة بلا منازع هو طائر الوقواق. تطفل بالفطرة: اسم الوقواق بالانجليزية Cuckoo وكل من الاسم العربي والانجليزي يذكرنا بصوت هذا الطائر: واق واق، الذي يطلقه برتابة، ويُسمع من بعيد. وإذا عدت للقاموس، ستجد أن اسمه بالانجليزية يعني أيضا: أبله، أحمق (قاموس المورد). وهذا غريب، وغير منصف لهذا الطائر، فالوقواق ماكر مخادع. وهو طائر مهاجر، يقطع القارات جيئة وذهابا حسب دورة الفصول. تمارس أنثى الوقواق طريقة بسيطة وذكية في التطفل، تبدأ باستكشاف المنطقة لتختار عشا تضع فيه بيضها. ثم تربض غير بعيد عن العش المختار، وتنتظر حتى تشاهد أنثى الطائر قد بدأت بوضع البيض. وما أن يخلو العش، حتى تندفع أنثى الوقواق نحوه، وتضع بيضتها فيه بسرعة فائقة، خلال 5 ثوان فقط. (وهذا أمر معجز حقا: أن تكون قادرة على التحكم بلحظة الإباضة عندما تحين اللحظة المناسبة). ثم تلتقط بيضة الطائر الآخر بمنقارها وتأخذها بعيدا لتتخلص منها. خلال الأيام التالية، تتابع الأنثى الحاضنة وضع باقي بيضها، جاهلة ما تم أثناء غيابها، وغير مدركة وجود بيضة غريبة في عشها. لا تعود أنثى الوقواق مطلقا للعش الذي وضعت فيه بيضتها، إنها تبدأ فورا في البحث عن عش آخر لتضع فيه بيضتها التالية. وقد تضع في الفصل الواحد اثنتي عشرة بيضة، كلا منها في عش منفصل جديد. في هذه الأثناء، ترقد الأنثى الأخرى على بيضها، ومن ضمنه بيضة الوقواق، التي تفقس عادة قبل غيرها. وهنا يحصل تصرف قد يكون مستغربا من فرخ طائر، لم يكد يخرج من البيضة. ولكن كما يقال " إن فرخ البط عوام " أو " من شابه أباه أو أمه فما ظلم" فبمجرد أن يفقس فرخ الوقواق، حتى يكمل العدوان الذي بدأته أمه، ويأخذ بدفع باقي البيض خارج العش، رغم أنه يكون عاريا من الريش ولا يرى. وبمجرد أن يصبح البيض خارج العش، فإن الأم الحقيقية لهذا البيض تهمل بيضها تماما، وتبذل كل جهدها لإطعام ما تعتقد أنه صغيرها، إلى أن يبلغ مرحلة من النضج والقوة تمكنه من مغادرة العش والاعتماد على نفسه. عادة ما يخرج فرخ الوقواق من البيضة قبل فراخ الأنواع الأخرى التي وضع معها، وهذا يمكنه من التخلص بسهولة من البيض المنافس. وإذا فقست بيضات أخريات قبله، فإنه قادر على طرد الفراخ الأخرى من العش واحتكاره لنفسه. وحتى لو بقيت معه فراخ أخرى، فإنه يكون أكبر منها حجما، ويحصل على جلّ اهتمام الأم الحاضنة؛ فالطيور تميل عادة للاعتناء بالفرخ الأكبر. وهذا مثال على حكمة الطبيعة وتدبيرها، فهي تعمل على ضمان البقاء للأقوى والأقدر على الحياة، خاصة عند نقص الطعام، حيث يخصص كله أو معظمه للأفراد الأصح والأقوى. ينمو صغير الوقواق ليصبح أكبر حجما من أنثى الطائر المعيل، التي تعتقد أنها أمه، وتضطر لبذل جهود مضاعفة لاطعام هذا الفم الجائع دائما. إن عدم احتكاك صغير الوقواق بوالديه منذ رؤيته النور، قد يفسر بساطة غنائه، إذ لم تتح له الفرصة ليتعلم من والديه أغاني أجمل أو أكثر تعقيدا من ذلك الصوت الرتيب: كوكو، كوكو. إنه دعاء بسيط بما فيه الكفاية ليردده اعتمادا على غريزته وحدها. وينقله بلا تغيير من جيل لجيل عبر العصور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق