Powered By Blogger

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

تغيير الجنس للحفاظ على النوع

حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 5 شباط / فبراير 2013 لا شك أن أهم شيئين يسعى أي كائن حي لتحقيقهما هما: البقاء حيا، والعماد الأساسي لذلك هو الطعام؛ ثم استمرار النوع، عن طريق التزاوج والتناسل. ولهذا الغرض قد يلجأ لأساليب غاية في الغرابة؛ ومن ذلك ما نلاحظه في بعض أنواع الأسماك التي يلاحظ لديها ظاهرة تغيير الجنس، إذ تتحول إناث إلى ذكور وتنقلب ذكور إلى إناث. ما السر في هذه الظاهرة، ولماذا تحصل في هذه الأسماك، بخلاف معظم الكائنات الحية الأخرى؟ سمكة الراس: اليوم أنثى وغدا ذكر: سمك الراس أو اللبروس Wrasse يتوزع على 23 نوعا، تتراوح أطوالها بين 5 سم ومترين. يعيش في المناطق البحرية الدافئة بين الصخور المرجانية. والأنواع الصغيرة منه معروفة بأنها تنظف أجسام أنواع أخرى من الأسماك الكبيرة. تزهو أسماك اللبروس بألوانها الجميلة. الذكر في بعض أنواعها كبير الحجم أزرق ومخطط؛ والأنثى صفراء اللون، وأصغر حجما. الفرق بين الجنسين واضح إذن. لكن فجأة تظهر سمكة ذات لون متوسط بين الجنسين: صفراء (كما في الإناث)، لكنها مخططة أيضا (كما في الذكور). وتبين أن هذه السمكة أنثى في طريقها للتحول إلى ذكر. والأمر الأكثر غرابة، أن جميع أسماك اللبروس الصغيرة تكون إناثا. وعندما تكبر يتحول أحدها ضمن السرب إلى ذكر. ما الدافع لتغيير الجنس؟ أحد التفسيرات المحتملة هو أن هذه الظاهرة تحصل حين يكون للفرد الكبير الحجم امتياز وأفضلية في مجال التزاوج، مثلا عندما يحتكر ذكر واحد قوي امتياز التزاوج مع جميع الإناث في السرب. في هذه الحالة، تكون الذكور الصغيرة منبوذة ومحرومة من حقها في التزاوج. فيكون الأجدى لها لو كانت إناثا، ولهذا السبب تكون جميع اسماك السرب الصغيرة إناثا، حتى يموت الذكر المسيطر. وإذا انقسم السرب إلى عدة أسراب، تتحول إحدى الإناث إلى ذكر وتتغير ألوانها ويكبر حجمها حسب الصفات المميزة للذكر. هذا يعني أن السمكة في صغرها، حين كانت أنثى، تمتعت بحياة جنسية خصبة ومكتفية، ووجدت ذكرا يلقح بيضها، ولم تتحول إلى ذكر إلا حين أصبحت الظروف هذه الظاهرة ملازمة إذن للأنواع التي تتمتع فيها الذكور كبيرة الحجم بحق التزاوج مع عدد كبير من الإناث، في حين أن الذكور الأصغر حجما تكون محرومة من التزاوج، فعليها إذن أن تصبر أو أن تكون جميعها إناثا حتى تحين الفرصة المواتية لتتحول إلى الذكورة. أنماط تحوّل أخرى: لنأخذ مثلا سمك شقائق النعمان (سبب تسميته هذه أنه يعيش في كنف شقائق النعمان البحرية ولا يتأثر بلسعها). يتميز هذا السمك بأن البيت الواحد يضم ذكرا واحدا وأنثى واحدة. وتكون الأنثى أكبر حجما، والأسماك الأخرى التي قد تعيش معهما تكون صغيرة وغير ناضجة جنسيا. وإذا اختفت الأنثى، لأي سبب، يتحول الذكر إلى أنثى ويكبر حجمه، وفي الوقت نفسه ينضج أكبر الأفراد الآخرين ليصبح ذكرا. وهذا مثال واضح على دور الظروف الاجتماعية في تغيير الجنس؛ وأيضا تدعيم لرأي داروِن بأن البقاء للأقدر على التكيّف. في أسماك اللبروس الاسترالية الخادمة، التي تدير "محطة " لتنظيف جلد الأسماك الكبيرة حين تزور المحطة، نجد أن السرب مكون من إناث فقط باستثناء ذكر واحد كبير الحجم يقود السرب ويحميه. وإذا مات الذكر أو أبعِد (كما يحصل اثناء إجراء الدراسة عليها) فإن أكبر الإناث تبادر إلى تولي مسؤولية الحماية والقيادة، لكنها لا تتحول إلى ذكر إلا بعد بضعة أيام. لماذا الأسماك فقط؟ لماذا لا تحصل ظاهرة التحول الجنسي في حيوانات فقارية أخرى غير الأسماك، خاصة أن بعض الطيور والثدييات تتميز بأنماط تزاوج تظهر فيها أفضلية الذكر الأكبر والأقوى، فذكر الفقمة (من الثدييات) ينتظر عدة سنوات حتى يصل إلى حد يمكنه من امتلاك الإناث، فلماذا لا يمضي هذه السنوات كأنثى؟ قد يكون السبب أن الفروق الجنسية بين الذكر والأنثى تكون كبيرة جدا في الثدييات والحيوانات الأرضية عامة، فهي فروق في الحجم والشكل وأيضا في الصفات التناسلية الخارجية والمصممة لضمان عملية التلقيح، وهذا أمر لا نلاحظه في الأسماك، التي يلقح بيضها خارجيا، حيث تلقي الأنثى عادة بيضها في الماء، ويقذف الذكر بمنيه في الموضع نفسه ليلقحه. لكن يوجد استثناء واحد على الأقل، فقد عرف أن الدجاج قد يغير من جنسه أحيانا. في الطيور عامة يكون المبيض الأيسر فقط فعالا (من أجل تخفيف وزن الطائر لتسهيل الطيران)، والدجاج ليس استثناء عن هذه القاعدة، رغم أنه لا يطير. لكن إذا أصيب المبيض الأيسر بالمرض، أو توقف عن افراز البيض لأي سبب، فإن المبيض الأيمن قد يتحول وتظهر الدجاجة وتتصرف كأنها ديك. وفي أوربا في القرون الوسطى كانت الدجاجة من هذا النوع تعتبر من نسل الشيطان، وأنها فقست من بيضة ديك، وكانت تحرق حية. ولحسن حظ الأسماك فإن تغيير الجنس فيها لم يكتشف في ذلك الوقت، وذلك حتى لا يسجل تاريخ القرون الوسطى حالات حرق للأسماك بالتهمة نفسها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق