Powered By Blogger

الثلاثاء، 19 فبراير 2013

سفينة نوح العصريّة: ما الأنواع التي لها الأولويّة

م. حسام جميل مدانات، العرب اليوم، 19/2/2013 على الرغم من الجهود العالمية الجبارة للبيئيين، فإن عدة أنواع من الكائنات الحية ما زالت معرضة للانقراض. فلو تخيلنا ما يشبه سفينة نوح حاليا، وأن علينا أن نحمل عليها أنواع الحيوانات التي يهددها طوفان عصري: طوفان التدمير البشري بكافة مصادر الخطر التي يحملها: تلوث كيميائي وإشعاعي، ظاهرة الدفيئة، قطع الغابات وتهديد الحياة البرية فيها، الصيد الجائر، هدر الماء العذب اللازم لحياة حيوانات البرية الخ. ومع التسليم بأن كل نوع حيوي مهم بذاته، فإن علماء الأحياء يعتبرون أن بعضها أهم من البعض الآخر، لأسباب ودوافع مختلفة. فما هي الأنواع التي يعتبرون أن انقاذها يمثل أولوية على غيرها؟ وما هي معاييرهم في هذه الخيارات؟ هل هي أنفعها، أندرها، أغربها، أجملها...؟ يبدو أنه يصعب حسم الجدل، في هذا الموضوع، بين العقل والعاطفة. الأنواع المتميزة يعطي البعض أولوية لأنواع غريبة تبدو كأنها مستحاثات حية. أنواع انقرضت شبيهاتها قبل ملايين السنين، وهي تحتلّ وحدها فروعا مستقلة في شجرة المملكة الحيوانية، أو النباتية. وإذا اختفت هذه الأنواع، فإننا نخسر للأبد جانبا متميزا من سلسلة التطور. ومن هذه الأنواع الغريبة سحلية نيوزلندية لها ثلاث عيون، وتدعى تواترا، أو سفينُدون، وقد انقرض أقاربها قبل 50 مليون سنة، وأيضا نوع من الثدييات يضع البيض ثم يرضع صغاره، وهو "منقار البط"، أو البلاتيبص. أنواع تمثل عماد النظام البيئي تبدو بعض الأنواع أساسية من أجل دوام بيئتها، واستمرار حياة عدة أنواع أخرى. ويعتقد أن انقراضها سيؤدي إلى سلسلة انقراضات لعدة أنواع حيوانية ونباتية. مثال ذلك انقراض ذئب منطقة يَلوسْتون في أمريكا، فقد سمح بانتشار القوارض، وكانت النتيجة محو الأعشاب من المنطقة وتصحرها للأبد، ومن ثم انقراض قوارضها. ومن الأمثلة الأخرى النحل ودوره الأساسي في تلقيح النباتات. ولا شك أن انقراض النحل قد يهدد بقاء عدة أنواع من النباتات، ومن الحيوانات التي تتغذى عليها. الأنواع ذات القيمة الرمزية نعني بذلك حيوانات مثل الأسد، والدب القطبي، والباندا، والغوريلا، والدلفين. وهي تمثل أبرز موجودات حدائق الحيوانات في العالم، ومن أكثر ما تهتم به المنظمات البيئية، رغم أن دورها البيئي ليس واضحا أو كبيرا. لكن يبدو أن المحافظة عليها تفيد تلقائيا في الحفاظ على عدة أنواع أخرى. فهي حيوانات كبيرة وتحتاج مساحة بيئية كبيرة. فإذا حمينا هذه المساحة، فنحن نحمي في الوقت نفسه عدة أنواع حية أخرى تعيش في هذه المناطق الواسعة. أنفعها لنا لا يمكننا أن نتخلى عن أنانيتنا وعن اهتمامنا بمصلحتنا المباشرة. ومن هذا المنطلق يهمنا بلا شك المحافظة على الحيوانات الأكثر فائدة وجدوى لنا. ومعظم هذه الأنواع تحظى برعاية كبيرة؛ تحميها من انقراض قريب. نحن نربي الأبقار والأغنام والدجاج..الخ ونوليها عناية صحية ورعاية وحماية؛ ولا يبدو أنها معرضة للخطر، إلا إذا حصلت أوبئة مثل انفلونزا الطيور التي تسببت في إعدام الملايين من الدجاج والبط والوز. وتهمنا بلا شك أنواع أخرى تقدم لنا أدوية أو مواد متميزة. مثال ذلك ضفدع غريبة اكتشفت في غابات استراليا في الثمانينيات، وغرابتها هي أنها تحتفظ ببيضها الملقح في معدتها دون أن يتأثر البيض بأحماض المعدة التي تهضم طعام الضفدع. أدرك العلماء حينئذ أنهم أمام فرصة نادرة للتعرف على مادة قد تفيد في علاج قرحة المعدة. وليست هذه الضفدع إلا مثالا واحدا من آلاف الأنواع النباتية والحيوانية التي تفرز مواد يمكننا استغلالها دوائيا وصناعيا، ولم تستغلّ بعد على الوجه الصحيح. Science et Vie, Octobre 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق