Powered By Blogger

الثلاثاء، 19 فبراير 2013

من كتاب: مقدّمة لتاريخ الفكر العلميّ في الإسلام

<نصوص في النثر العلميّ العربيّ تأليف د. أحمد سليم سعيدان عالم المعرفة العدد 131، نوفمبر/تشرين الثاني 1988 العرب اليوم، (الصفحة 18: علوم وتكنولوجيا)، 19/2/2013 ثمة تعريف أكاديمي موجز يقول إن العلم هو مجموعة الخبرات الإنسانية التي تجعل الإنسان قادرا على التنبؤ. فإذا ذكرنا أن الكون تنتظمه قوانين، وأن معرفة أي من هذه القوانين حق المعرفة تعني معرفة أسبابه ومسبباته ونتائجه، ومن ثم تمكن من التنبؤ، أدركنا أن التعريف يعني معرفة القوانين التي تنتظم الكون. فإذا عرفنا القوانين التي تنتظم الوراثة مثلا صار بإمكاننا أن نعرف ما سيحدث إذا ما توافرت شروط معينة. وقد تكون كلمة "التقدير" أفضل من كلمة التنبؤ في التعريف. ومن العلماء من يستبدلون بالتنبؤ كلمة الفهم، فيقولون إن العلم هو فهم ظواهر هذا الكون، أسبابها وآثارها. ... والعلمي يسلّم بالفكرة، كائنة ما كانت، إذا قام عليها دليل موضوعي يلتئم مع القوانين الطبيعية المثبتة، غير مرتكز على ما وراء الطبيعة، لا من قريب ولا من بعيد. وهو إذ يرحب بالفكرة الجديدة، يعترف لصاحبها بفضله، ولكنه لا ينضوي تحت لوائه، ولا يجعل من نفسه تابعا من تابعيه، ولا مريدا من مريديه، كما كان الحال في مدرسية فيثاغورس، ومدرسيات العصور الوسطى. هذه المدرسية يرفضها العلمي المعاصر، فلواء العلم ينضوي تحته أحرار، لا تُبّع. وقد كانت المدرسية صبغة الحياة العقلية في العهود البيزنطية، ولعلها لا تزال صبغة الحياة الطائفية والعقائدية والحزبية، ومن ثم فهي لا تزال تفضي إلى التقوقع والتحجّر، أو إلى الخصام والتناحر. وقد رفضها المسلمون في عصورهم الزاهرة، وقالوا عن سابقيهم من المجتهدين قولة مشهورة: "هم رجال ونحن رجال". ثم هم ما لبثوا أن وقعوا في براثن المدرسية، فانصرفوا عن الخلق والإبداع، إلى تلخيص أقوال السابقين، أو نظمها في أراجيز ليسهل حفظها. لقد تحلل الغرب من المدرسية مستنيرا بتعاليم ابن رشد الذي قهر المدرسية الأوروبية المسيحية، وقهرته المدرسية الشرقية الإسلامية. ... من المؤكد أن الأمثولة الحضارية في العالم الإسلامي خلقت الحافز الأول عند كل أوروبي لتغيير نمط حياته. ومؤكد أيضا أن هذا الأمر والأحداث التي رافقته تضافرا معا على الخروج بأوروبا من بحر الظلمات. من هذ الأحداث ابتكار المطبعة المتحركة. فمنذ القرن الثامن الميلادي نقل العرب عن أسراهم من الصينيين طريقة الطباعة بالقوالب. فكانوا إذا أرادوا طباعة صفحة ما صنعوا لها قالبا. كما تصنع الأختام، عن طريق الحفر على الخشب. وقد استعمل الصينيون الطباعة بالقوالب منذ القرن السادس الميلادي، ثم طبعوا بالحروف منذ القرن الحادي عشر الميلادي. وفي سنة 1294م كانت في تبريز طباعة بحروف متحركة، عربية وصينية. أما سائر العالم الإسلامي فلم يستعمل على ما نعلم سوى طباعة القوالب، وقد استخدمها في طبع الوثائق وشهادات التملك. لم يطورها المسلمون ولم يدرْ في خلدهم الاستغناء بها عن النسخ. وفي أثناء الحروب الصليبية، وفي فترة الاحتكاك بين المسلمين والايطاليين، نقل الغرب طريقة الطباعة بالقوالب. وانتشرت فيه هذه الطباعة في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الميلادي. ثم طور فن الطباعة إلى أن اهتدى أو تعلم الطباعة بحروف متحركة. وقد وضعت فيه أول مطبعة متحركة سنة 1494م (1450؟). وما كانت الطباعة لتنتج وتنتشر لولا الحصول على الورق بوفرة ويسر. ومما أخذه الغرب عن الشرق صناعة الورق، ثم صار يصنع ورقا أرخص ثمنا وأيسر صنعا من الورق الحريري الذي كان الكتاب العربي يستعملونه. (د. سعيدان (صفد 1914 – عمان 1991)، درس الرياضيات في الجامعة الأمريكية في بيروت ثم في جامعة لندن. حقق ما يزيد على 20 مخطوطة رياضية عربية وكان عضوا في مَجمعي اللغة العربية الأردني والعراقي. عَلّم الرياضيات في السودان؛ وفي الجامعة الأردنية، التي أصبح عميدا لكلية العلوم فيها.) div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on">

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق