Powered By Blogger

السبت، 10 ديسمبر 2011

المستشفى البيئي، مستشفى المستقبل

حسام جميل مدانات

رغم أن شعار الأطباء هو العلاج وعدم إيقاع الأذى، إلا أن المستشفيات تُتهم بأنها تأتي في مقدمة المؤسسات غيرالبيئية. فهي شرهة في استهلاك الطاقة والمياه والمنظفات والمعقمات، ولكن الأهم من ذلك أنها تقذف في البيئة كميات كبيرة من المواد السامة أو المشعة أو الملوثة بمسببات الأمراض، ومنها مخلفات العمليات الجراحية والعينات المخبرية.

وقد تأسست في فرنسا لجنة تهدف إلى جعل المستشفيات صديقة للبيئة من مختلف النواحي، وتدعى لجنة التطوير المستدام للصحة. ويمضي رئيسها النشيط اولفييه توما جلّ وقته وهو يزور المستشفيات وينشر أفكاره ويسعى لتبنيها وتطبيقها فيها.

وقد بدأت ثمار حملته تظهر. فعدد من المستشفيات قد تبنى أسلوب فرز الفضلات وتصنيفها، واستخدام مصادر طاقة متجددة مثل ألواح الطاقة الشمسية لتسخين الماء أو لتوليد الكهرباء.


رفاه المريض أولوية قصوى

إن توفير الطاقة يصب في مصلحة المريض داخل المستشفى. فأجهزة تكييف الهواء مثلا تستهلك طاقة هائلة، وهي في الوقت نفسه مصدر لتلوث الهواء بمسببات الحساسية والميكروبات. وكبديل عن ذلك، فقد تبنى مستشفى أليس Ales الفرنسي الذي افتتح العام الحالي 2010 نظام تبريد باستخدام الماء البارد، على غرار أنابيب التدفئة المركزية. تركب هذه الأنابيب داخل الأرضيات والسطوح. وهي طريقة صحية نظيفة وأقل استهلاكا للطاقة. كما غطيت سطوح جدران المستشفى الداخلية بدهان لا يحتوي على مواد عضوية متطايرة، إذ تتهم بعض هذه المواد بأنها تسبب السرطان. ولا ننسى أن المرضى داخل المستشفى تكون أجسامهم ضعيفة بسبب المرض، وبالتالي فإنهم يكونون حساسين لأية ملوثات أو مواد سامة أو مسرطنة.

وينطبق الأمر نفسه على مواد التنظيف. فقد تبنى هذا المستشفى أسلوب التنظيف بواسطة البخار تحت الضغط العالي، ودون استخدام أية مواد كيماوية، وقد طبقت هذه الطريقة أيضا لتنظيف غرف العمليات وأجهزتها وتعقيمها.

وأوقفت بعض المستشفيات استخدام مواد تجميل كانت تقدمها المصانع المنتجة لها على سبيل الدعاية. فهي تحتوي مكونات مسرطنة، وخاصة المواد المسماة باربينات.

أطعمة عضوية وضوء طبيعي

قرر اتحاد المستشفيات في فينا، عاصمة النمسا أن يكون ما لا يقل عن ثلث المواد الغذائية المقدمة في مطاعم المستشفيات من المنتجات العضوية المنتجة بالطرق التقليدية الطبيعية، دون استخدام أسمدة كيماوية أو مبيدات حشرية. لكن المشكلة أن أسعار الأطعمة العضوية ما زالت مرتفعة نسبيا، مما يعيق انتشارها حاليا.

أما فيما يتعلق بالتوفير في استهلاك الأدوية والمواد الطبية عامة، فقد بدأت بعض المستشفيات بتبنّي أساليب الوخز بالإبر الصينية أو الاسترخاء لتخفيض استخدام مواد التخدير.

وفي اليابان، أنشأ جراح الأعصاب تكاهيرو ميدا عيادته من خشب الصنوبر، مما يرفع معنويات المرضى ويحفز حواسهم. واعتمد مركز غسل الكلى في مدينة بيارن الفرنسية أسلوب الإضاءة الطبيعية لغرف المرضى وغيرها، فانخفض استهلاك الكهرباء إلى النصف، وقد استجاب المرضى لذلك ايجابيا، فهم عادة يعانون من الإحباط واليأس نتيجة قضاء عدة ساعات أسبوعيا في عملية غسل الكلى، إلا أن الضوء الطبيعي قد خفض التوتر لديهم، وقل تناولهم للأدوية المهدئة، كما أن الروح المعنوية للعاملين أصبحت عالية وانعكس ذلك على حقيقة أن أي موظف لم يقدم استقالته أو يطلب النقل من المركز منذ 6 سنوات.

ماذا عن مستشفياتنا؟

نعلم أن الإقامة في المستشفيات أو حتى تلقي العلاج فيها، يحمّل المريض وذويه أو تأمينه الصحي تكاليف باهظة، وخاصة فيما يتعلق بالمستشفيات الخاصة. وتكون هذه الكلفة المفرطة عادة على حساب أولويات أخرى للمريض مثل نوعية طعامه أو تعليم أطفاله مما يسيء لصحته على المدى البعيد. ولا شك أن كلفة الطاقة والماء وغيرهما مهملة نسبيا مقارنة مع فاتورة المستشفى الكبيرة القيمة، سواء من وجهة نظر المستشفى أو المريض. ولعل هذا يفسر عدم اهتمام المستشفيات بإتباع وسائل لتوفير استهلاك الكهرباء والماء ومواد التنظيف والتعقيم وبالطبع دون التأثير سلبيا على مستوى الطاقة أو الصحة.

فمثلا نجد اللمبات مضاءة في غرف المرضى ليلا نهارا، وخاصة داخل حمامات غرف المرضى المغلقة، وكأن كبس الزر لإضاءة الحمام عند الحاجة يتطلب جهدا أو وقتا. وتجد نسبة كبيرة من تجهيزات الحمامات تسرّب الماء دون اتخاذ إجراء لصيانتها.

وتجد التدفئة في الشتاء مبالغا بها حيث يضطر المريض لإبقاء نوافذ غرفته مفتوحة، حتى في أيام الصقيع. وتجد أن نسبة النصف على الأقل من الفحوصات المخبرية التي تجرى للمريض ليس لها من هدف سوى تضخيم الفاتورة التي يدفعها المريض. وقد ساعد على تفاقم هذه الظاهرة توجه بعض المستشفيات لإعطاء نسبة من دخل المختبر إلى الأطباء المعنيين. وقد تجد الاستعمال المبالغ به وغير المبرر أحيانا للتصوير بالأشعة. وهي خطرة وقد تسبب السرطان.

ان عمليات جراحية عديدة تجرى لهدف واحد هو تحقيق الربح، وهذه ظاهرة عامة في مستشفيات العالم أجمع. وتجد الاستخدام غير المبرر لممرضات وممرضين وعاملين وافدين، رغم البطالة بين مواطنين يحملون مؤهلات مناسبة. إن أية تكاليف زائدة أو غير مبررة تمثل هدرا للموارد الوطنية وإضرارا بالبيئة، والتي تشمل الإنسان المواطن بالدرجة الأولى.

فهل لنا أن نحلم بإجراءات تضع قطاعنا الطبي على الطريق الصحيح؟


مجلة الصحة الفرنسية Sante'

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق