Powered By Blogger

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

الخبز والقمح: قوام حياتنا

القاموس العلمي (8)

العرب اليوم، 11 أيلول/ سبتمبر 2012 أسمهان طعيمة
asmahan.t@hotmail.com
لعل أشقاءنا المصريين لم يجانبوا الحقيقة عندما أطلقوا على الخبز اسم "العيش". فيقولون مثلا: "أنا واكل معاه عيش وملح". كما أن كلمة Companion: رفيق بالانجليزية أصلها لاتيني وتعني شريك الخبز.
والخبز بلا شك سلعة الأساس وقوام العيش لبلايين البشر. فما السر في ذلك؟ وهل سيبقى كذلك في المستقبل؟
أشكال الخبز وأنواعه:
عندما تذكر الخبز تذكر القمح بالضرورة، فهو الذي يطحن ويعجن ويصنع منه معظم خبز العالم ومعجناته. فكيف اهتدى أجدادنا القدماء إلى هذا النبات من بين آلاف النباتات؟ ثم كيف توصلوا إلى تقنية طحنه وعجنه ثم خبزه بطرق وأشكال مختلفة. وما يؤكد حسن اختيارهم أن القمح قد بقي مقوّم الحياة الأول طوال آلاف السنين؛ كما أنه لا يوجد يبدو أنه سيتخلى عن موقعه هذا في المستقبل القريب أو البعيد.
صُنع الخبز أيضا من طحن حبوب متنوعة عدا القمح، مثل الشعير والذرة والشوفان، وقد تخلط هذه الحبوب معا بنسب وطرق مختلفة، كما أن الخبز يصنع بأشكال ووسائل متنوعة. فقد عرفنا تقليديا خبز الطابون والصاج والتنور، ثم الخبز المنقوش والكماج (الأرمني) والشراك والخبز اللبناني الرقيق، والخبز الحمام والخبز الفرنسي الذي يشبه العصا الطويلة. وقوالب الخبز التي تقطع إلى شرائح، وأنواعا وأشكالا أخرى عديدة.
وتضاف للعجين عادة خميرة جاهزة أو من بقايا عجينة الأمس، وهي تضفي على الخبز حموضة مستحبة وقواما خفيفا. وقد يخبز الخبز عويسا غير خامر.
ولا شيء يمنع من قلي الخبز بالزيت، ومن إضافة منكهات وملونات للعجين. ولسوء الحظ فقد انتشر لدينا استهلاك الخبز الأبيض المنزوع القشرة والجنين، والذي يكاد محتواه يقتصر على النشا. وعلينا أن لا ننسى منتجات أخرى متنوعة نصنعها من العجين: مثل البسكوت والكعك والمعجنات والمعكرونة والمفتول (الكسكسي) والشعيرية؛ ومن القمح: كالفريكة والسميد والجريشة والبرغل والسليقة والقلية.
لمحة تاريخية ولغوية:
تدل مخلفات العصر الحجري الحديث على أن الانسان عرف القمح وطحن الحبوب وعجنها وتخميرها قبل عشرة آلاف سنة. موطن القمح الأصلي هو الهلال الخصيب ودلتا النيل. وكان له دور رئيسي في استقرار الانسان في القرى بسبب سهولة انتاجه وتخزينه بكميات كبيرة ولمدة طويلة.
عرفت انجلترا القمح عام 3000 ق.م، وعرفته الصين عام 2000 ق.م. وزاد انتاج القمح بعد أن تطورت أساليب الحراثة بمساعدة الحيوانات، وإضافة السماد، والتهجين لتحسين الأصناف، وتدوير المحاصيل وأخيرا استخدام الحصادات الآلية.
وللخبز دلائل دينية، ويرتبط بطقوس تراثية ودينية متنوعة.
نجد في مختلف اللغات عشرات التعابير المرتبطة بالخبز، فمثلا ترد كلمة الخبز كناية عن القوت والطعام بشكل عام أو عن النقود وكلمة dough الانجليزية تعني العجينة، وتعني النقود أيضا.
أصناف القمح ومكوناته:
التركيب الجيني للقمح أو الحنطة معقد نسبيا. وتتنوع أصنافه حسب عدد أزواج الصبغيات (الكروموسومات) في نواة خليته، وهي تراوح بين 2 أو 4 أو ستة أزواج.
ويختلف القمح حسب موسم زراعته في الشتاء أو الربيع، كما يختلف حسب قساوته، ولونه ونوعية بروتينه (الغلوتين) ونسبته.
تتراوح نسبة الغلوتين في القمح القاسي بين 10-15%، والنشا قرابة 70% ، والألياف 12%، ويحتوي القمح على العديد من المعادن، فمثلا يعطيك رغيف اسمر صغير خُمس حاجتك اليومية من الحديد.
إنتاج القمح واستهلاكه في العالم:
في عام 2009 انتج العالم 650 مليون طن من القمح واحتلت الصين المرتبة الأولى بانتاجها 115 مليون طن، أي سدس الانتاج العالمي وهذا قد يفاجىء البعض لأن الاعتقاد السائد هو أن الصين تعتمد أساسا على الرز.
وتلتها الهند 80 مليون طن، روسيا: 62، ثم الولايات المتحدة، فرنسا، المانيا، باكستان، كندا، استراليا، وتركيا. وحققت هولندا أكبر إنتاجية في عام 2010 بمعدل 890 كغم قمح للدونم، بينما الانتاجية في روسيا والهند لا تزيد عن ثلث هذا الرقم. وتهدر الهند قرابة أربعة أعشار انتاجها بسبب سوء طرق الحصاد والنقل والتخزين والتوزيع.
وقد تضاعفت انتاجية القمح خمس مرات منذ النصف الثاني من القرن العشرين مع انتشار الآلات والتسميد. لكن مجمل الانتاج العالمي من القمح يتراجع حاليا لصالح فول الصويا والذرة.
أما من حيث الاستهلاك فقد كان المعدل العالمي للفرد 67 كغم عام 2003، لكن المعدل وصل إلى 240 كغم في قرقيزستان (من جمهوريات آسيا الوسطى) ويلاحظ أن معدل الاستهلاك العالمي للفرد يتناقص مع تحسن مستوى المعيشة والتحول إلى تناول اللحوم بأنواعها.
وينتج الأردن قرابة خمسة آلاف طن من القمح، ويستورد قرابة المليون طن، أي أن الانتاج لا يكفينا لأكثر من يومين.
وإذا اعتبرنا أن عدد السكان هو ستة ملايين نسمة، وأنقصنا منه عدد الأطفال الرضع لنعتمد الرقم خمسة ملايين ممن يستهلكون الخبز، نستنتج أن معدل استهلاك الفرد لدينا هو 200 كغم سنويا، أي أكثر من نصف كيلوغرام يوميا. وهذا رقم كبير وغير معقول. والمرجح أن نسبة كبيرة من استهلاكنا مصيرها حاويات القمامة أو علفا للمواشي والدواجن، لأن سعر الخبز مهمل. ونذكر هنا أننا كنا إذا رأينا شقفة خبز على الأرض رفعناها وقبّلناها، ثم نضعها فوق سور أو أي موضع مرتفع آخر. نشير هنا إلى ممارسة خاطئة لدى من يتجنبون رمي الخبز في الحاوية: إنهم يضعونه في كيس بلاستيكي مربوط ومغلق بجانب الحاوية، وتجده غالبا قد تعفن قبل أن يستفد منه أحد، مثل مربي المواشي. ألا يمكننا أن نتركه ينشف قبل وضعه داخل الكيس إذا كنا نهتم حقا بالمحافظة على هذه النعمة؟ والواقع أن حفظ الخبز في المجمدة (الفريزر) أو حتى في الثلاجة، يحفظه شبه طازج بحيث لا نضطر لرمي أي قطعة خبز.
معلومة أخيرة نأخذها عن العرب اليوم- الاقتصادي بتاريخ 9/9/2012 عن أسعار السلع الأساسية: القمح:905 $ للطن، البن 2048، الذرة:797، والسكر: 556 دولارا للطن. لاحظ أن القمح أغلى من كل من الذرة والسكر، وقارن ذلك بسعر الخبز المدعوم والمهدور لدينا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق