Powered By Blogger

الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

في المصطلحات العلميّة (3)تعابير بُنِيتْ على خطأ

لنتفق أولا على أن اللغة، أية لغة، ليست مُنزلة، بل أن مفرداتها وقواعدها قد نشأت وتطورت اتفاقا بين متحدثيها. ولنتفق أيضا على أن لغتنا العربية تحتاج حاليا إلى المئات، إن لم يكن الآلاف من الكلمات الجديدة، ذات الجرس العربي، لتعبر عن مبتكرات الحضارة. وعلى الرغم من – أو ربما بسبب – وجود عدة مجامع لغوية عربية، فإننا لا نجد بعد مصطلحات متفقا عليها عبر ارجاء الوطن العربي. ويبدو أن الكلمة، أو المصطلح، تكتسب قوتها وشرعيتها من الاستخدام والشيوع أكثر مما تكتسبهما من "صحتها" اللغوية. ونقدم البينة على ما نقول من خلال عدد من الكلمات والتعابير، العلمية وغير العلمية، التي شاعت وترسخت، رغم أنها بنيت على سوء فهم وعلى خطأ. ولم يحاول أحد أن يصحح هذه الأخطاء الجسيمة بإلغاء هذه الكلمات أو بمنحها معاني مخالفة. الأكسجين: تتكون هذه الكلمة من مقطعين من أصل يوناني، وتعني مولد الحمض. وهو الاسم الذي أطلقه عليه الكيميائي الفرنسي لافوازييه الذي نشر نتائج أبحاثه واكتشافه لهذا الغاز عام 1774، وقد اعتقد خطأ أن كافة الحموض تحتوي لزاما على هذا الغاز، أي أنه هو الذي يولّد الحمض، أي حمض. وفي عام 1812 أثبت الانجليزي همفري دافي أن ذلك خطأ، وأن الهيدروجين هو العنصر الأساسي في الحموض، لكن الوقت كان متأخرا لتغيير اسم هذا الغاز. الملاريا: يعاني البشر من الملاريا منذ خمسين الف سنة على الأقل. ويعتقد أنها كانت أحد عوامل انهيار الامبراطورية الرومانية. وتعني كلمة ملاريا باللغة الايطالية في القرون الوسطى الهواء الفاسد، إذ كان يعتقد أن سببها الهواء المتعفن الفاسد فوق المستنقعات. ونعلم حاليا أن المستنقعات مسؤولة حقا عن الملاريا، لكن ليست بسبب هوائها الفاسد، وإنما لأن البعوض يتكاثر فيها، وهو الذي ينقل المرض للانسان. وفي أواخر القرن التاسع عشر أوضح رونلد رُس (جائزة نوبل 1902) دورة حياة الطفيلي الذي يسبب الملاريا. لكن اسم المرض بقي مستخدما على الرغم من خطأ معناه. قلم الرصاص نعلم أن ذلك العود الأسود الرفيع في قلم الرصاص هو من الغرافيت، وهو أحد الأشكال المتبلورة للكربون أو الفحم. فلماذا ندعوه إذن قلم الرصاص؟ قبل خمسة قرون، اكتشف سكان مقاطعة كمبريا في انجلترا خامات سوداء تصلح لوسم أغنامهم وللكتابة على الورق. كانت هذه الخامات من الغرافيت النقي، لكنهم اعتقدوا خطأ انها أحد أشكال الرصاص، وأسموها Plumbago أي خام الرصاص. ومنذ ذلك الحين انتشر هذا التعبير في مختلف اللغات، فالقضيب الغرافيتي الأسود الرفيع، المحاط بالخشب، في القلم الذي يستخدمه أطفالنا، يدعى بالانجليزية Lead أي رصاص؛ واسم القلم بالآلمانية والايرلندية يعني قلم الرصاص، كما هو الأمر في اللغة العربية. الهنود الحمر ما زال الأمريكان، والعالم كله تبعا لذلك، يطلقون على سكان الأمريكتين الأصليين اسم الهنود على الرغم من أن لا علاقة لهم بالهند لا من قريب ولا من بعيد. في عام 1492 شرع كولمبس في رحلته نحو الغرب متجها نحو الهند، بفضل إدراكه لكروية الأرض. وعندما وصل جزر بحر الكاريبي، على مشارف أمريكا، وبسبب خطأ جسيم ارتكبه علماء اليونان ومن تلاهم في تقدير المسافة التي تفصل بين كل خطي طول، اعتقد كولمبس أنه وصل الهند، وسمى تلك الجزر جزر الهند الغربية. وأطلق على سكانها ثم على سكان القارتين الجديدتين اسم الهنود. ثم سرعان ما تبين خطأ هذا الاعتقاد، لكن الاسم الخطأ ثبت والتصق اسم الهنود بهؤلاء الشعوب. خلاصة الحديث أن المصطلح يأخذ شرعيته من شيوعه وكثرة استخدامه. وأن بإمكان مجامع اللغة العربية أن تضع وأن تعتمد وأن تنشر وتعمم آلاف المصطلحات الجديدة في مختلف مجالات الحياة، خاصة في العلوم والتكنولوجيا، دون أن تضطر لعناء البحث في بطون معاجم اللغة القديمة عما يبرر اختيار هذه الكلمات. وما أروع أن تكون هذه المصطلحات ذات بناء بسيط ولفظ سهل وجِرس عربيّ مستساغ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق